لم يعد من المستغرب اليوم أن تلتقي أحدًا من أحبابك المتزوجين فتجده مهمومًا، يدعوك بزفراته الملتهبة ونظراته المعبرة لتفتح معه ملفات همومه الزوجية، فإن إستجبت لهذه الدعوة، فإنه لن يتردد أن يلقي بثقل مشكلاته على قلبك، بل ربما لم يرحم فيك وقتًا ولا قلبًا، ولا تعتقد أنه يريد منك حلاً أو مشورة يستفيد منها بالدرجة الأولى، بل غرضه -من حيث لا يشعر- أن ينفس عن خاطره، ويخفف عن صدره، ولذا فأرجو أن يسعك الحلم إذا لم يدع لك فرصة للحديث أو المقاطعة، ولا تعجب إذا كنت أصغيت بدقة لحديثه المحزون وترى نفسك في نهايته أنك أمسكت بخيوط المشكلة وجاء الآن دورك في طرح حلولك عليه.. أن تراه يلقي بنظرته على ساعته ليقول لك: لقد سرقنا الوقت.. أستأذنك.. لعلي أراك في وقت آخر!!، ثم يمضي بوجهٍ غير الذي أتى به، وروح غير التي أتت به إليك، ثم يدعك.. وأفكارك.. ومشورتك.. مضافة عليها بعض همومه وأحزانه!!
وإذا جئت تحلل هذا المشهد المتكرر تجده بإختصار: قلبًا محبًا، مرهف الحس، أقدم على حياته الزوجية بكل آمال السعادة، ويحمل معه حقيبة من الطباع، ثم يجد نفسه مع شريكه المحبوب، فيجده إنسانًا مثله، لا أشك أنه جاء به مثل الذي أتى به، غير أن أي إجتماع بشري يولد الإختلاف في الرأي، الذي يجب أن لا يفسد للود قضية، والإختلاف الزوجي من أسمى هذه الإجتماعات وأنقاها، لأنه قائم على أساس المودة والرحمة والسكن، قال سبحانه: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
فإذا كان لابد من الإختلاف في الرأي، مع بقاء أساس المودة والرحمة والسكن، فلماذا يثقل الزوجان كاهليهما بهمومهما، التي يستطيع كل واحد منهما أن ينفك عنها، ويتخلص من قيودها الثقيلة.
فإن كانت زلة الآخر خفيفة، أو وقعت من غير قصد، أو جاءت بحسن نية، أو أنها مقصودة ولكنها المرة الأولى، فعليه أن لا يفسح لهذه الزلة مكانًا في قلبه، بل يتغافل عنها، ويُشعِرُ صاحب الزلة أنه ما إنتبه لها، وهنا يقضى على المشكلة في مهدها دون أن تنال من فكره أو وقته، وحتمًا سيُكبِر المخطئ هذه العظمة في صاحبه!!
وأما إن كانت الزلة كبيرة عليه، أو وجد صاحبه مستمرًا في إستفزازه بما يكره، أو رآه مقصرًا في أكثر حقوقه، فإن الموضوع لا يتجاوز جلسة تكون خارج نطاق المنزل، في جو هادئ، مفعم بالحب والتفاؤل، ثم يبدأ صاحب الهم من زوج أو زوجة يبث لصاحبه شجنه وحزنه، كما لو لم يكن من يحدثه هو من أشجاه وأحزنه، مبينًا له فرط حبه له، وتعلق فؤاده به، غير أنه ضايقه منه كذا.. وكذا، من غير تشقيق للمشكلة، ولا الدخول في عميق تاريخها وتبعاتها، بل يحصرها في نقطة صغيرة، حتى لا يأخذ الحديث فيها كل وقت الجلسة الجميلة، وجميل أن يعطي صاحبه فرصة للحديث، وأن يقبل منه عذره من غير إذلال ولا إستكبار، وأن يفكر الزوجان في ختام حميم للجلسة قبل البدء فيها، ليعودا كأوراق الورد المتآلفة يلف بعضها بعضا، لا يظهر جمال إحداها إلا بالأخرى.
أما التراكمات النفسية، فإنها لا تورث إلا السقم في البدن، والشرود في التفكير، ومزيدًا من الفرقة والإختلاف، وسقيًا لجذور المشكلة وتعميقًا لها، وإنها لتهدم في بناء الحب، وتشوه سموقه، حتى لتغدو كالبركان الثائر.. لا يدرى متى سينفجر.. فلتحذرا هذه التراكمات!!
الكاتب: د. فيصل بن سعود الحليبي.
المصدر: موقع المستشار.